يحيى بن زكريا عليه السلام

يحيى بن زكريا عليه السلام

يحيى بن زكريا علىهما السلام , نبي من أنبياء الله وهو الذي لم يتسمى أحد من البشر باسمه من قبله . وسنستعرض لكم بعض من سيرة هذا النبي علىه السلام .

زكريا علىه السلام وبشارة المولود

كان زكريا علىه السلام قد بلغ من العمر عتياً فصار شيخاً هرماً وكانت امراته قد صارت ايضاً عجوزاً هرمة مثله ولم يرزقهما الله تعالي بالبنين، وكان زكريا يحمل شريعة النبي موسى علىهما السلام وقد خاف ان تضيع هذه الشريعة من بعده لأن اليهود كانوا قد ابتعدوا عن الدين وتركوا رسالة التوحيد وقد غرهم متاع الدنيا ولهوها فانصرفوا الي الملذات والشهوات والي الفسوق والفجور .. من هنا كانت شدة الخوف عند زكريا علىه السلام على ألا يتبقى التعاليم السماوية حية بين الناس، فدعا ربه ان يهب له غلاماً طاهر القلب صافي السريرة يكون قادراً على ان يصون، الدين ويحفظه من الضياع، واستجاب الله تعالي لدعاء نبته زكريا علىه السلام فوهبه على الكبر ولداً وأوصاه بأن يسميه يحيى أي الذي تبقي الشريعة حية بوجوده .

سيرة عطرة لحياة نبي الله يحيى بن زكريا

شب يحيى وكبر في أحضان النبوة فتربى على أخلاق أبيه زكريا، وأخذ عنه الحلم وآتاه الله سبحانه وتعالي من فضله الحكمة مذ كان صغيراً ليكون قادراً على حمل الرسالة السماوية والاضطلاع باعباء المسئولية الجسيمة، وكان الكتاب الذي احتوي تعاليم موسى علىه السلام التوراه، وقد حمله من بعده كل انبياء بنى إسرائيل حتي وصل الي زكريا علىه السلام، فلما توفاه الله تعالي نزل الوحي على ابنه يحيى يأمره بان يحمل التوراه وذلك بقوله تعالي : ” يا يحيى خذ الكتاب ” وتسلم يحيى منذ ذلك الوقت حمل الدعوة وهو يبين لبنى إسرائيل احكام الله تعالي وطريقة تطبيقها بما يهدي للتي هي أقوم .

وكان النبي يحيي سلام الله علىه تقياً لا يأتمر إلا بأمر الله، وورعاً لا يترك العبادة ليل نهار وهو يحس في قرارة نفسه بأن الله تعالي يرقبه من علىائه ويحثه على طاعته بصورة دائمة، مما جعله يقضي اوقاتاً طويلة في العبادة وطلب العلم وهذا ما اتعبه واعياه حتي نحل جسمه ووهن عظمة لشدة الاعياء والتعب .. ولكن هذه المواظبة على النفقة في الدين وعلى تطبيق احكام الشريعة مكنته من أن يفسر أحكام التوراه وان يقف على كل اسرارها ليبلغ الناس ما وصل إليه من علم الله سبحانه وحكمته وهكذا عرفه الناس عالماً بأصول الشريعة وفروعها وقادراً على ان يعطي الاحكام المعقولة كما شهد له بنو اسرائيل، بأنه النبي الذي يجهر بالحق ولا يتهاون في امر من امور العقيدة، ولا يتساهل مع أحد مهما علا شأنه في تطبيق أحكامها، وهو في ذلك كله لا يخاف في الله لومة لائم ولا يخشى إلا من الله خالقة ومدبره .

وكان يحيي علىه السلام في حياته مع الناس رحيماً بالفقراء عطوفاً على المساكين لا يترك شيئاً يقدر علىه إلا فعله لهم أو مكنهم منه ولم تكن شفقته على الحيوانات بأقل من شفقته على الناس فكان يسعى إلي اطعام صغار تلك الحيوانات من قوته وطعامه اليومي واحياناً لا يترك لنفسه شيئاً مما يضطره للأكل من نبات الارض واوراق الشجر .. وعندما كان يقف في الناس خطيباً كان يتأثر لشدة ايمانه بالله تعالي أيما تأثر حتي يبكي ويبكي معه كل الناس الذين يستمعون إليه،

قصته مع إنكار زواج هيروديا

كان موقفه من الحكام ومن اولئك الذين يعبثون بشئون الدين بالباطل موقفاً متشدداً كما فعل مع هيرودوس حاكم فلسطين عندما سمع انه احب ابنه اخيه هيروديا وعزم على الزواج منها بعد ان وافقت هي على هذا الزواج وجميع اقاربها معها، اذ استنكر النبي يحيي هذا الزواج استنكاراً شديداً واعلن ان زواج هيروديا من عمها هيرودوس باطل ومحرم وهو يخالف الشريعة ولا يرضى به إلا كل زنديق فاجر، اذ لا يجوز في شرع الله ان يتزوج العم من ابنة اخيه .

وشاع خبر استنكار يحيي علىه السلام لذلك الزواج المحرم ووصل نبوه الي رجال الدين وخدام الهيكل بل وراحت الناس في الاسواق والنوادي وفي الساحات والقصور تتداول رأي النبي يحيي علىه السلام حتي تناهي الي مسامع هيروديا فحزنت وغضبت وحقدت علىه لأنها كانت تعرف مكانته بين الناس ومدي تأثيره علىهم ولكنها لشدة دهائها سيطرت على غضبها وصممت على ان تنتقم من يحيي علىه السلام فراحت تكيد له في الخفاء وكان أول شئ قامت به ان ذهبت الي عمها الحاكم وهي في ابهي حلة واجمل زينة ودخلت علىه بغنج ودلال وهي على حالها من الجمال الفاتن والمظهر الخلاب وما إن رآها هيرودوس حتي هب من مجلسه يستقبلها وقد فتن بمرآها ثم ركع على ركبتيه امامها يقبل يديها ويتغن بجمالها وبحسنها ثم يقول لها : هلمي الي العرش فاجلسي بجانبي حتي انعم برؤيتك انا خادمك الامين فامري ما شئت ولن اخالف لك امراً مهما كان .

وجلست هيروديا صامتة وقد بدا علىها الهم والحزن فضاق صدر هيرودوس لحزنها ثم طار صوابه عندما راحت تبكي باحتيال حتي جعلته يرجوها لتقول له ما يحزنها عندها قالت له : ايرضيك ايها الملك ان تصبر على ظلم يأتيك او عار يلحق بي وبسببك وانا التي ساكون زوجك لك ؟ ولم يصدق هيرودوس ما يسمع فهو يعلم ان لا احد من الناس يستطيع ان يرفع نظره إليه فكيف يكون هنالك من يتطاول علىه او ينال من حبيبته هيروديا أي سوء ؟ وثار غضبه فصرخ قائلاً : هلمي واخبريني ما عندك قبل ان ادمر كل شئ واقضي على جميع الناس في هذه المدينة .

ولم تجب هيروديا على الفور لانها كانت تريد ان تزيد من سورة غضبة ولكنه هو لم يعد يطيق الاحتمال فألح علىها ان تتكلم فقالت له : هل يرضيك يا سيدي ان يتطاول يحيي بن زكريا على مقامك وان يتهمني بالفسق ؟ وطار صواب هيرودس وفقد كل وعي او ادراك، لقد استبد به الغضب فأمر على الفور حراسة ان يسرعوا ويأتوه برأس يحيي دون سؤال او جواب وكان ذلك اللعين قد عزم على ان يقدم الرأس الطاهر هدية لحبيبته الفاجرة حتي ترضى عنه .

واسرع الجنود يلبون اوامر سيدهم وإن هو إلا وقت قصير وعادوا يحملون رأس النبي يحيي علىه السلام ويضعونه امام هيروديا فهدأت عندئذ اعصابها وشفت غليلها بعد ان كادت كيدها .. ذلك ما حل بالنبي يحيي علىه السلام فقد اراد ان يمنع منكراً وان يقضي على ما يخالف شرع الله تعالي فلا تشيع الفاحشة بين الناس فكانت ردة الفعل من الحاكم الظالم قتله بدون حق .

وقد ظنت هيروديا اللعينة انها بقتل النبي الكريم سوف تنعم بالزواج وانها ستنال بعد موته السعادة وتعتلي سدة الحكم ولكنها لم تعلم بان ما فعلته هي وهيرودوس كان خزياً وعادوا علىهما وعلى بني اسرائيل الي ابد الدهر .

فلقد حلت علىهم لعنة الله، وكتب علىهم الخزي والعار في الدنيا والآخرة بما كانوا يقتلون الانبياء بغير حق وبما كانوا يعتدون .. اما يحيي الذي لم يجعل الله له من قبل سمياً فسلام الله علىه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً .

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *