أخبار اشراق العالم24

ألمانيا الجديدة.. عودة القوة العسكرية ومخاوف الهيمنة في أوروبا

هذا الخبر من (اشراق العالم24) نترككم مع تفاصيل الخبر الذي بعنوان ألمانيا الجديدة.. عودة القوة العسكرية ومخاوف الهيمنة في أوروبا


في ظل الحرب المستمرة في أوكرانيا، وتبدّل ميزان القوى الدولي، تعيش ألمانيا لحظة مفصلية تُعيد تشكيل موقعها الجيوسياسي في أوروبا والعالم.

فبعد عقود من الركون إلى الحماية الأمريكية وتبنّي سياسة التقشف والدبلوماسية كبدائل عن القوة، تتجه برلين اليوم نحو استراتيجية دفاعية أكثر جرأة وطموحًا. لكن هذا التحول، رغم ضرورته، لا يخلو من تحديات ومخاطر تهدد التوازن القاري، وفق تحليل لـ«فورين أفيرز».

منعطف لم يكتمل

حين ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، لم تتعدّ استجابة برلين حدود العقوبات الرمزية والوساطات الدبلوماسية الباردة.

غير أن العملية العسكرية الروسية الشاملة بأوكرانيا في 2022 شكّلت نقطة تحوّل. وأعلن المستشار أولاف شولتز، آنذاك، ما وصفه بـ«التحول التاريخي» (Zeitenwende)، متعهّدًا برفع الإنفاق الدفاعي وكسر الاعتماد على الغاز الروسي.

إلا أن هذا التحوّل بقي، لفترة طويلة، حبرًا على ورق. فقيود دستورية، أبرزها «قيد الدين» الذي يحدّ من العجز السنوي بنسبة 0.35%، إلى جانب ضغوط داخل الائتلاف الحاكم وتردد الحزب الاشتراكي، جعلت من الصعب على شولتز تنفيذ إصلاحات دفاعية جوهرية.

نهاية التقشّف

لكن الأحداث تسارعت بعد الانتخابات الأخيرة للبوندستاغ في فبراير/شباط، إذ باتت الحكومة الألمانية الجديدة بقيادة فريدريش ميرتس مستعدة لفكّ الارتباط التدريجي مع المظلة الأمنية الأمريكية.

ومع صعود دونالد ترامب مجددًا إلى الرئاسة الأمريكية، ازداد الشعور داخل ألمانيا بأن الاعتماد على واشنطن لم يعد مضمونًا.

وجاء القرار الكبير في مارس/آذار، حين صوّت البرلمان الألماني بأغلبية ساحقة لإلغاء قيد الدين، فاتحًا الباب أمام إنفاق هائل تجاوز التريليون دولار، خُصّص للدفاع والبنية التحتية.

 ومن أجل تحديث جيشها وتحفيز اقتصادها، أنهت برلين اعتمادها الطويل على التقشف، وألغت قيدًا دستوريًا فُرض منذ عام 2009 كان يحدّ من الإنفاق السنوي من الديون بنسبة 0.35% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.

هذا القرار، وإن بدا مفاجئًا، يعكس إدراكًا عميقًا لدى النخب الألمانية والشعب على السواء، بأن ألمانيا لا يمكنها بعد اليوم أن تراهن على مظلة واشنطن.

وسيمكّن هذا التحول ألمانيا من دعم أوكرانيا دون الاضطرار إلى السير خلف واشنطن، كما أنها ستصبح أقل ارتباطًا برئيس أمريكي متقلّب يرفض التشاور مع أوروبا بشأن أوكرانيا.

وستستفيد كييف من هذا الاستقلال الألماني الجديد، وقد يشجع مثال برلين دولًا أوروبية أخرى على زيادة دعمها لأوكرانيا. ويمكن لبرلين أن تتولى دورًا قياديًا في دعم سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، وفي الضغط من أجل قبولها عضواً في الاتحاد الأوروبي.

لكن السعي الألماني نحو الاستقلال سيحمل تكلفة، إذ سيتعيّن على ألمانيا تحمّل المسؤولية الأساسية في ردع روسيا داخل أوروبا – وهي مهمة ضخمة ومحفوفة بالمخاطر.

وإذا سيطرت نزعات قومية أكثر تشددًا على المشهد الأوروبي، فقد يقع الجيش الألماني الجديد في أيدي حكومة «متطرفة»، قد تستخدمه حينها لترهيب جيرانها. صحيح أن ألمانيا المستقلة ستعزز حضور أوروبا عالميًا، لكن في الشؤون الأوروبية الداخلية، قد يجد القارة صعوبة في التكيّف مع برلين أكثر قوة.

إرث ميركل وتحديات شولتز

لقد رسّخت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، التي تولّت المنصب بين عامي 2005 و2021، مقاربة ألمانية تستند إلى التعددية والحوار، كان التعاون عبر الأطلسي حجر الأساس في سياستها الخارجية، وتخيّلت أوروبا مسالمة بوساطة الاتحاد الأوروبي، وعلاقة غير تصادمية مع روسيا، بعيدًا عن القوة العسكرية، وحافظت على قنوات التواصل مع موسكو، واضطلعت بدور الوسيط في الصراعات، لا الزعيم الأمني في أوروبا.

عندما ضمّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم عام 2014، ومع أنها فرضت عقوبات على روسيا عام 2014، إلا أنها أصرّت على أنه “لا يوجد حل عسكري” للأزمة. وكان هدفها الحفاظ على النظام الأوروبي الذي نشأ بعد عام 1991، حيث تؤدي مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي والناتو دور الحكم في مصير أوروبا، وتملك روسيا نوعًا من الحضور على الطاولة.

وعلى الرغم من العملية العسكرية الروسية، فعلت ميركل كل ما في وسعها لتجنّب تحوّل جذري في السياسات الألمانية، آملة في تجنّب حرب أوروبية من خلال إدارة العلاقة مع موسكو، والحفاظ على التزام الولايات المتحدة بأمن القارة.

وتبع شولتز هذه المدرسة، فـ«التحوّل التاريخي» الذي أعلنه جاء حذرًا، وواصل فيه كثيرًا من سياسات ميركل، في عام 2022، أنشأ صندوقًا خاصًا بأكثر من 100 مليار دولار لتحسين قدرات الجيش الألماني، لكن “قيد الدين” الدستوري حال دون مزيد من الاستثمارات الطموحة في الدفاع والبنية التحتية.

ورغم استقبال ألمانيا لأكثر من مليون لاجئ أوكراني، وتقديم مليارات الدولارات كمساعدات لكييف، فإنها كانت بطيئة في معالجة نقاط ضعف جيشها.

ولا يتحمّل شولتز كامل المسؤولية عن هذا التلكؤ. فقد أعاقه ليس فقط الدستور، بل أيضًا الواقع السياسي. فالحزب الديمقراطي الاشتراكي، حزب شولتز ، يملك تاريخًا طويلاً في السعي للتقارب مع روسيا منذ سياسة “أوست بوليتيك” في السبعينيات.

وحتى بعد العميلة العسكرية الروسية، ظلّت بعض الأحزاب الألمانية تفضّل الإبقاء على علاقات مع موسكو. ويُعدّ حزب “البديل من أجل ألمانيا” من أقصى اليمين من المنتقدين الدائمين لحلف الناتو والمناصرين لبوتين، وقد وصف قادته شولتز  بأنه “تاجر حرب”.

وخلال فترة حكمه، ضاعف الحزب حصته من الأصوات لتصل إلى 20% في الانتخابات الأخيرة. كما اضطر شولتز للتعامل مع ائتلاف ثلاثي صعب، لم يكن مستعدًا لإلغاء قيد الدين، ولا لإعادة تشغيل المفاعلات النووية التي أغلقتها ميركل، رغم الحاجة لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية. والآن، لم تعد كثير من هذه القيود قائمة.

ميرتس يُدشّن مرحلة توسّع جريئة

فريدريش ميرتس، الذي يُعدّ «أطلسيًا» بطبيعته وينتمي لحزب يؤمن بالارتباط الوثيق بأمريكا، فاجأ الجميع بتبنّيه مسارًا أكثر استقلالًا. يرى ميرتس أن عالم ما بعد 2022 يتطلب إعادة تعريف الارتباط الغربي: ليس كخضوع لقيادة واشنطن، بل كشراكة أوروبية أكثر تماسكًا واستقلالًا.

لكن منذ تولّي دونالد ترامب الرئاسة في يناير/كانون الثاني، تغيّر المزاج الشعبي في ألمانيا بشكل حاد، حتى أن الزعيم القادم يكاد يكون مضطرًا لتغيير السياسات الخارجية والاقتصادية، وهو أمر بدأ بالفعل.

وفي مارس/آذار، صوّت البوندستاغ بأغلبية الثلثين لإلغاء “قيد الدين”، ما مهد الطريق لإنفاق أكثر من تريليون دولار على الدفاع والبنية التحتية. وتعهد ميرتس بضخ الأموال في المعدات العسكرية الألمانية، والاستخبارات، وأمن المعلومات.

هذا الدعم الشعبي الواسع لألمانيا أقوى وأكثر استقلالية، يُضفي شعورًا بالتحول الحتمي. فلم يكن سعي ميرتس لإلغاء قيد الدين بدافع شخصي، بل كان صدى لرأي عام ألماني واسع يرى أن الولايات المتحدة لم تعد راغبة في ضمان أمن أوروبا، وقد تُوقف دعمها لأوكرانيا، بل وتسحب قواتها من القارة

يملك ميرتس الغطاء السياسي اللازم لتحمّل المزيد من الديون، وتعزيز قدرات البلاد الدفاعية، وتحفيز الاقتصاد – إذا تمكن من تجاوز العراقيل البيروقراطية وطمأنة الرأي العام بشأن ملف الهجرة.

هذا التحوّل في السياسة الألمانية لم ينبثق من أهداف محددة كدعم أوكرانيا، بل من إدراك أن المعادلات القديمة لم تعد صالحة. فإذا لم تعد أمريكا شريكًا موثوقًا، فإن مفهوم “الارتباط الغربي” سيفقد معناه، أو يُعاد تعريفه كتعاون مع أوروبا. وهكذا، تغيّر ألمانيا موقفها، وتتحرر من القيود التي فرضها عليها الحلفاء – من السوفيات إلى الأمريكيين، إلى الأوروبيين، بل وحتى الشعب الألماني نفسه، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وتشمل خطته الطموحة ضخ استثمارات ضخمة في الصناعة العسكرية، والتكنولوجيا الدفاعية، والأمن السيبراني، مع تعهّد بإعادة بناء القدرات الاستخباراتية والردعية. هذا التوجّه يلقى دعمًا شعبيًا واسعًا، مع تنامي الشكوك حول التزام أمريكا بحلف الناتو، خاصة تحت قيادة ترامب.

أوروبا.. ترحيب أم توجس؟

سترحب فرنسا، والمملكة المتحدة، وبولندا، وغيرها من الدول الأوروبية، بهذا التحديث العسكري الألماني، كونه يعزز الدفاع الجماعي، ويملأ فراغًا أمريكيًا متوقّعًا. لكن هذا الترحيب مشروط بعدم تحوّل القوة الألمانية إلى أداة هيمنة.

فالتاريخ القاري يُثقل كاهل ألمانيا دومًا. فبينما تُبنى استراتيجياتها على نوايا حسنة، يتوجّس كثيرون من احتمال أن تقع هذه القوة المتزايدة في أيدي قادة قوميين متشددين مستقبلاً. ألمانيا التي عُرفت عقودًا بأنها «العملاق اللطيف»، قد يُنظر إليها في لحظة ما على أنها قوة مهيمنة.

ويمكن لميرتس أن يتعاون مع هذه الحكومات لتطوير القدرات العسكرية الألمانية بما يسدّ ثغرات القارة. كما ستُظهر ألمانيا المُسلحة لترامب أنها تتحمل نصيبها من الدفاع الجماعي – وهو ما طالما طالب به. وإن انسحبت الولايات المتحدة من أوروبا، ستكون ألمانيا، بجيش أقوى، في موقع أفضل لسد الفراغ.

لكن رغم أن إعادة تسليح ألمانيا ضروري الآن، إلا أن له تداعيات مقلقة على المدى البعيد. فقد تمتع الأوروبيون بفترة طويلة من السلام بعد 1945 لأنهم رفضوا مبدأ أن الحرب وسيلة لحل النزاعات. وأقاموا مؤسسات غير عسكرية، مثل الاتحاد الأوروبي، لحل خلافاتهم. كما تراجعت النزعة القومية بعد الحرب، وتحوّلت الحماسة الوطنية إلى ملاعب كرة القدم بدلًا من ساحات القتال.

ومن أسباب هذا السلام أيضًا تجريد ألمانيا من قدراتها العسكرية. فخلال الحرب الباردة، امتلكت ألمانيا الغربية جيشًا كبيرًا، لكنها كانت خاضعة للاحتلال الأجنبي، ولم تكن ذات سيادة كاملة. وبعد الحرب، قلّصت ألمانيا جيشها، ورضيت بإنفاق محدود على الدفاع، ولم تكن تشكل تهديدًا.

لكن ألمانيا اليوم تعيد التسلّح كي تقرّر مصيرها بنفسها. وقد وصف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنغر ألمانيا بأنها “أكبر من أن تُدار من أوروبا، وأصغر من أن تُدير العالم”. فبما أن لديها أكبر عدد سكان وأقوى اقتصاد في القارة، فإن امتلاكها لجيش قوي قد يجعلها قوة مهيمنة – أو يُنظر إليها كذلك.

القومية الأوروبية… هل تعود من جديد؟

وفي ظل صعود القومية في عدد من الدول الأوروبية، من بولندا إلى إيطاليا، ومع تنامي الخطابات الشعبوية، فإن تعزيز القوة الألمانية قد يُغذي هذه النزعات بدلًا من كبحها. بل وقد ترتد آثارها إلى الداخل الألماني نفسه، حيث يكسب حزب “البديل” أقصى اليمين أرضًا جديدة في كل انتخابات.

ولقد قامت السلمية الأوروبية على مبدأ نبذ الحرب كأداة للنفوذ، وبناء مؤسسات عابرة للحدود. فهل تنقلب هذه القاعدة؟ وهل نرى أوروبا تعود إلى تنافسات القوة بدلًا من التعاون المتعدد الأطراف؟

يمكن لألمانيا أن تبقى قوة للخير، لكن فقط إن لم تقع حكومتها في أيدي قوميين من أقصى اليمين. فقد عرفت أوروبا طيلة أجيال ألمانيا لا ترغب في استخدام القوة العسكرية. وبعد أهوال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، لم يكن لدى الألمان رغبة في إشعال التوترات.

لكن القومية معدية، والقادة «الكاريزميون» قادرون على توجيهها إلى مسارات غير متوقعة. وهي اليوم صاعدة في أماكن متعددة، مثل الصين، والهند، وروسيا، والولايات المتحدة.

الدول الأوروبية تنتقد ألمانيا بالفعل لاستخدامها ثقلها المالي في بروكسل. وقد تؤدي قوة ألمانية عسكرية واقتصادية أوسع إلى تغذية القومية في الدول المجاورة، مما قد يُشعل القومية في ألمانيا نفسها.

والجيش الذي أُعيد بناؤه على يد حكومات وسطية مؤيدة لأوروبا، قد يقع لاحقًا في أيدي قادة مستعدين لإعادة طرح قضية الحدود الألمانية، أو تفضيل التهديد العسكري على التعاون الأوروبي.

موسكو تراقب… وتتحرك

وتدرك روسيا خطورة ما يجري. فهي لم تكن مرتاحة أصلاً إلى أي دور قيادي ألماني في أوروبا، فكيف الآن مع تحديث شامل للجيش الألماني؟.

تشير تقارير إلى أن موسكو تسعى لإفشال هذا التحول عبر التخريب السيبراني ومحاولات الاغتيال – كما حصل العام الماضي مع محاولة اغتيال رئيس شركة Rheinmetall الألمانية.

كل توسّع ألماني يُقابَل بردّ فعل روسي – مباشر أو غير مباشر. فالاستقلال العسكري الألماني سيزيد من وتيرة الحرب الباردة الجديدة في أوروبا.

أمريكا.. شريك متردّد أم غائب؟

بوسع الولايات المتحدة أن تساعد أوروبا في التأقلم مع هذا التحول الألماني، لكنها تبدو اليوم في موقع المُراقب المتردد. إدارة ترامب تسعى لتقليص الوجود العسكري، وتضغط على حلفائها لتحمل أعباء الدفاع. ألمانيا، بهذا المعنى، لا تملأ فقط فراغًا أمنيًا، بل تُقدّم نموذجًا لقارة بأكملها.

لكن السؤال الأكبر يبقى: هل تتجه ألمانيا نحو دور قيادي متوازن ضمن المنظومة الأوروبية؟ أم ستصبح قوة يصعب على القارة احتواؤها؟

التحوّل حقيقي هذه المرة، والتاريخ يُكتب من جديد في برلين.

aXA6IDE5OC4xNzcuMTIyLjE1MiA= جزيرة ام اند امز US



من العين الإخبارية
تابع آخرالأخبار العاجلة من اشراق
العالم
اخبار محلية ودولية في مجالات السياسة والاقتصاد والرياضة والتقنية.
ألمانيا الجديدة.. عودة القوة العسكرية ومخاوف الهيمنة في أوروبا

x .
فيس بوك.


اكتشاف المزيد من إشراق العالم

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى